بعد أن هدأت أو ماتت – إن صح التعبير- الشائعة التي سرت حول الرئيس مبارك في الأوقات الأخيرة ، طفا على السطح مكنونان من مكنونات الشعب المصري هما موجودان داخل هذا الشعب على قدر قدم الحضارة المصرية أحدهما متعلق بعامة الشعب والآخر بسدنة النظام ، وهما ظاهرتين سيظلان حجر عثرة أمام أي تقدم حقيقي لمصر .
كنت عائدا يوماً إلى البيت فقابلت أحد أصدقائي وقال لي هل سمعت ما حدث للرئيس ، قلت له: ماذا حدث؟ فقال: إن الرئيس قد توفي إكلينيكيا منذ ثلاثة أيام في مستشفى برج العرب حيث يحاول الأطباء إنقاذه دون جدوى، فقلت له: هل سمعت عن ذلك في التلفزيون الحكومي، فقال: لا ولكن الجميع يتحدث عن ذلك، قلت له: إذاً هي شائعة وليست حقيقة فإذا مات الرئيس سيعلن التلفزيون الحكومي عن ذلك ومادام ذلك لم يحدث فهذا خبر كاذب، فقال لي: عموماً لقد عرفت الخبر وعندما تقابل أحداً فأخبره به، فقلت: ولماذا أفعل؟! فابتسم ثم انصرف .
في حقيقة الأمر أنا لم أخبر أي شخص بهذه الشائعة ولكني بعد أن عدت إلى البيت وجدت أن برنامج العاشرة مساء يناقش هذا الأمر أيضاً ففكرت في الأمر وظهرت أمامي عدة شواهد .
كانت ابتسامة صديقي الأخيرة تعبر أنه حتى هو نفسه لا يصدق الخبر ولكنه ربما كان يعبر عن رغبة كامنة داخله في التخلص من شئ ما – بشرط أن يكون ذلك بالقدر وحده دون أي جهد منه وانتظاراً للمجهول بعده – ، وهكذا المصريين دائماً على مر التاريخ حينما يشعرون بالظلم تجاه السلطة فإنهم لا يسعون لتغييرها ولو سلمياً وإنما دائماً يتركون للقدر أن يأخذ مجراه ، فعلى مر التاريخ المصري فإن سعى الشعب المصري جدياً لتغيير السلطة الفاسدة لم يحدث إلا نادراً جداً على الرغم من أن عمر هذا البلد العريق يتجاوز خمسة آلاف سنة ، وبالتأكيد مر على الشعب المصري خلالها عشرات أو مئات النظم الفاسدة والمستبدة ودائماً ما كان الشعب ينتظر أن يأخذ القدر مجراه ، ربما يكون خوف الشعب من التغيير وأن ما سيأتي ربما يكون أسوأ هو السبب في ذلك أو لأن النظم عرفت كيف تجعل الشعب دائما أكبر همه هو لقمة العيش فأفقرته ونهبت خيرات الوطن ، إلا أنه في الحقيقة لن تتغير مصر ولن يكون هناك ضمانة لعدم عودة هؤلاء الفاسدين إلا حين تنتزع الحقوق ويضحي من أجلها الشعب – سلمياً بالطبع – وحتى ذلك الحين سنظل في انتظار المجهول.
أما المصيبة الأكبر فكانت من سدنة النظام المنافقة التي يبدو أنه جعلت من الرئيس كائناً خرافياً لا يمرض لا يخطئ بدونه كانت مصر ستكون ظالماً حالكاً – يا عيني على النور اللي إحنا عايشين فيه – وفي حقيقة الأمر فإني أشعر بالحيرة من أمري فهل يؤمن هؤلاء فعلاً بما يكتبونه فيكون ذلك فعلاً مصيبة أم أنهم ينافقون وفقط فتكون المصيبة أعظم ، لقد كانت الآلة الإعلامية المحيطة بالحاكم هي دوماً السبب الرئيسي في تنويم الشعب عن الحقيقة ففي عصر الفراعنة كانت طبقة الكهنة ومن معهم السبب الرئيسي في إقناع الشعب بألوهية الفرعون وفي العصر الإسلامي حينما يكون الحاكم ظالماً كان بعض علماء الدين الذين باعوا ضميرهم يقوموا بهذا الدور ، والآن فإن صحف النظام وإعلامه يقوم بالواجب ، ولن أستطيع نقل كل ما قيل أو كتب إلا أنه سيكفيني نقل بعض ما كتب أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام في مقالة بعنوان ” ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ” نشرت يوم الثلاثاء 4 سبتمبر دون تعليق مني عليها يقول أسامة سرايا في مقاله : ” الذي ردده بعض السفهاء حول الرئيس حسني مبارك طوال الأيام الماضية لا يمثل خروجاً على مقتضيات العمل السياسي وحرية التعبير والصحافة والتطور الديمقراطي فحسب وإنما يعد أيضاً تعبيراً عن فقدان كامل للتوازن أصاب بعض صحفنا وكتابها فتجاوزوا جميعاً كل عرف وكل تقليد وكل ممارسة رشيدة …ً. لقد تحملنا أكاذيبهم الكثيرة التي نثروها على وجه الحياة في أراضينا وكنا دائماً قادرين على التحقق من زيفها وبطلانها ، ولكنهم اليوم بما رددوه يروعون أمة بأسرها في رمز استقلالها بلا مبالاة ولا وعي بما يقولونه …. غير أن الواجب الذي يفرض نفسه اليوم هو ألا نترك للسفهاء أمراً يكيدون له لنا وألا يعودوا لمثل ما فعلوا. “
فعلاً ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا …